وجع الإغتراب…!! في صميم نظام العرب

الكاتبة السورية: هيام سلوم

عندما سُئلت الكاتبة الأميركية” إيلين جولد ” عن أمنيتها الكبرى، أجابت:
“أريد أن أبني بيتاً، لا يرغب ساكنوه في الهروب منه.”
البيت ليس مجرد سقف و جدران ، أو مجموعة من الغرف و المساحات المزخرفة أو حتى التجهيزات العصرية.
البيت هو مصدر الأمان ، و أهله هم الدفء و السكينة ، البيت هو مكان يضمك و يأويك و لا يتركك في الخارج مع مخاوفك أو مع ما قد يؤذيك ، فمهما سافرت أو غادرت فلابد لك من عودة، و العودة دائماً تكون للبيت .
أهل البيت هم الاحتواء ، و هو المكان الذي من المفترض أن يحميك من العواصف، فلا ينبغي ابداً  أن يكون هو ذاته مصدر العاصفة.
كذلك الوطن هو مصدر الأمن والأمان وعندما لايكون كذلك لا يحمد عقباه يعيش الأفراد فيه اغتراباً وغربة.
تتجلى في كل مفاصل الحياة .
وهذا ما ظهر  بقوة في بلداننا خصوصاً  في عصر العولمة حيث اصبح ظاهرة بارزة من أخطر المشاكل الاجتماعية التي تواجه  فئة الشباب في بلداننا العربية التي تعاني ازمات حياتية وأسرية و ماديةو فكرية وحتى سياسية .
المواطن العربي يعيش الاغتراب بكل ألوانه في الاسرة .
في العلاقات  الاجتماعية في الحياة الزوجية .
وهذا ناجم عن عدم وجود استقرار في بيئته وعدم القدرة  على تلبية الرغبات في ظل معانيات لا تنتهي من ارتفاع نسبة البطالة وانخفاض دخل الفرد والخوف من مصيره هذه العقبات تؤدي بالفرد إلى
الهروب من الواقع والانعزال بسبب شعور بالنقص وعدم المقدرة على تحقيق مايصبو إليه .
عندما لا تعيش حياة مستقرة وتكون مشتتا ومصابا بالضياع ولا تستطيع
تحقق أهدافك وطموحاتك وذاتك في
الوطن الذي تحيا فيه ستعيش غربة الذات والروح و ستغدو بحالة صراع وخوف وتصبح حياتك مهددة  .
المثقف العربي يعيش حالة اغتراب عزلتهُ عن محيطه الاجتماعي في وطنه  وأدت الى هجرة كثير من الأدمغة من  العالم العربي الي الغرب في ظل الفوضى والفلتان الامني  الذي يحتم على الفرد اتخاذ قرار مصيري .
كثير من الأباء سافروا وتركوا أسرهم وأولادهم خلف أسوار القلق.
وكثير من الأبناء سافروا ابتغاء حياة افضل .
أي وطن وأي ظلم يجعلني أرسل بابني لوطن آخر ابتغاء العيش بسلام .
وأعيش قلق الغياب وأرق الشوق
لما لا نكون معاً تحت مظلة وطن
آمن معافى .
للأسف أحلامنا تبخرت تحت وطأة واقع مؤلم  صار فيه الوطن قيداً يهاجر الانسان من الانسان وتمزق صلة الرحم .
وتتفكك القيم ومنظومة الأخلاق و يغيب فيه دور الشاعر والأديب والمفكر والواعي والمثقف وتصبح الفجوة كبيرة ويعم الجهل .
والعالم بأسرة يشاهد بأم عينه الانتهاكات التي تقع بحق الإنسانية والإنسان .
وتؤثر على أجيال نمت وترعرعت في بيئة حاضنة للخوف والقمع .
يصبح الوطن ليس وطناً.
فالإنتماء ليس هوية  بورقة مهترئة في الجيب.الوطن الذي نكتبه ونبغيه ليس الوطن الذي نحياه ، لقد فقدنا الوطن في الوطن .
وجاءت الغربة تمرجحنا بين جراح وأفراح تركت ندوباً لا يمكن مداواتها مع الزمن.
حتى موضوع الإغتراب الذي نتفائل به خارج الوطن والذي غالباً لا يكون حسب رغباتنا قد يكون انتكاسة أخرى تزيدنا اغتراباً.
سُئل الماغوط ماذا ستهدي السيدة الوالده التي أنجبت كاتبا نجيبا مثلك بعيدها ؟
أجاب: أيّ عيـــــد ..؟ عيد الأم
في الحقيقة فاجئتني بهذا السؤال وبهذه المناسبه
-ألا تحب أمك يارجل ؟
-إنني أعبدها ولكن ماذا يمكنني أن أهديها في هذه المناسبة السعيدة ؟
فستان سهرة ! في حياتها لم تسهر إلاّ فوق طبق العجين
(سيارة سبور)! في حياتها لم تركب إلاّ سيارة إسعاف .
ماذا أهديها ، لأهديها
إنها مجرد شجرة تين ، جرداء بعينين زرقاوين خابيتين .
هل تعرف فعلا ما أتمناه في هذه المناسبة ياصديقي ؟
أن أوقظها صباح العيد تماما وأساعدها على إرتداء ملابسها وغسل وجهها
ويديها المعروقتين ثم ألفها بعكازها وظهرها المحدوب ، وفانوس تنقلاتها
بورق السيلوفان وآخذها بيدي وأهديها إلى أحد أقبية المخابرات ليرفعوا قدميها العجوزتين البائستين أمام عينيّ ، حيث آثار روث البقر الجاف
مازالت مدفونة في شقوقهما العميقة ويجلدونها على قدميها ورأسها وظهرها
وتجاعيد وجهها حتى تكل أيديهم لأنها ولدتني في هذه المنطقة.
.

Related posts

Leave a Comment