عبدالرحيم أريري
لنستحضر هذه الأرقام التي تبرز مدى الحاجة لتدخل الحكم المركزي لتمكين الدارالبيضاء من مونطاج مالي ومؤسساتي مستعجل لحل مشكل النقل والتنقل والاختناقات المرورية الرهيبة التي يكتوي بنارها ملايين مستعملي الطريق بالعاصمة الاقتصادية، التي تحتكر أزيد من ثلث الناتج الداخلي الخام للمملكة، بالنظر إلى أن التغاضي عن حل هذه المعضلة، سيقود حتما إلى شل المدينة وبالتالي شل المغرب:
أولا: منذ سنة 2008، ظلت العاصمة الاقتصادية تتمطط بحوالي 800 هكتار كل عام، لدرجة أن ما أضيف للمدينة من مساحة تعميرية بلغ حوالي 11.400 هكتار في السنوات 14 الماضية، مع ما يعنيه ذلك من كثافة سكانية وأنشطة اقتصادية متنوعة. أي أن ما أضيف من مساحة معمرة بالبيضاء في العقد الأخير، يمثل تقريبا 50 % من المساحة المعمرة لمدينة مراكش، ويمثل 30 % من مساحة مدينة مكناس. ولكم أن تتخيلوا الوضع باستحضار هذه المقارنة!
ثانيا: عرفت العمالات الضاحوية للبيضاء طفرة عمرانية وديمغرافية رهيبة بين 2014 وسنة 2024 (تاريخ آخر إحصاء عام للسكان)، بفعل الأقطاب الحضرية الجديدة التي استنبتت بإقليمي النواصر ومديونة من جهة وعمالة المحمدية من جهة ثانية. فهذه الأقطاب الضاحوية الثلاثة عرفت لوحدها في العشرية الأخيرة انتفاخا ديمغرافيا بزيادة قدرها 621.236 نسمة إضافية (خاصة بشريط الرحمة/دار بوعزة)، ليصل مجموع سكان العمالات الضاحوية للبيضاء حسب آخر إحصاء إلى 1.532.168 نسمة (يمثلون 20 % من مجموع سكان الجهة). أي أن ما أضيف من سكان جدد بضاحية الدارالبيضاء في عشرة أعوام يفوق مجموع سكان عمالة الرباط ككل، ويمثل سكان خمس مدن مجتمعة من حجم العرائش أو ثلاث مدن من حجم بني ملال. مع التذكير أن هذه «الفوائض البشرية التي عرفتها الضاحية» تتنقل داخل تراب البيضاء الكبرى في ظروف جد كارثية وتؤثر على مردوية الإنتاج بكافة القطاعات، وتخلق توترات يومية بين مستعملي الطريق.
ثالثا: المغرب على وشك أن ينهي أحد أهم الأوراش الكبرى، ألا وهو القطب المالي الذي تسير أشغال التعمير والتهيئة به على قدم وساق. ولسنا بحاجة للتذكير بأن المغرب يراهن على القطب المالي بالبيضاء لترسيخ ريادته بإفريقيا، وهو القطب الذي سيجعل المغرب بوابة إلزامية لكل من يود ولوج سوق القارة السمراء. فضلا عن ذلك فالقطب المالي سيكون ليس فقط منصة دولية HUB، بل سيؤمن الشغل لأزيد من 35 ألف شخص في الوظائف المالية والمصرفية والخدماتية المهمة، وهو عدد هائل جدا يتطلب التفكير في انسيابية السير والتنقل بين القطب المالي وبين باقي أطراف الدارالبيضاء، على غرار ماهو معمول به في الأقطاب المالية العالمية (نيويورك، لندن، هونغ كونغ، فرانكفورت… إلخ.) التي تتوفر على شبكة مهمة من الربط السككي والميترو والحافلات والباركينات وما شاكل ذلك، حتى لا تصاب الدار البيضاء بتصلّب الشرايين، المتصّلبة أصلا منذ سنوات.
نعم، ضخت الدولة أكبر حصة من الغلاف المرصود لتأهيل البيضاء لخانة النقل والتنقل، إذ رصدت الدولة في الفترة بين 2015 و2024 ما مجموعه 27 مليار درهم (من مجموع الغلاف: 33 مليار درهم) ، وهو ما مكن من إنجاز خطين إضافيين للترامواي وخطين للباصواي وتم فتح عدة شوارع وطرق وقناطر وأنفاق، لكن أمام حجم تراكم الاختلالات وتعقد الأعطاب الموروثة، يبقى ما خصص (رغم وجاهته) جد قليل مقارنة مع الخصاص والحاجيات والأعطاب التي تشكوها الدارالبيضاء.
إن الورش الضخم الذي ينتظر إنجازه بأرض «مقيليبة» قرب الكليات بالجنوب الغربي للدارالبيضاء، استعدادا لمونديال 2030، والمتمثل في إحداث أكبر محطة سككية بإفريقيا خاصة بقطار التيجيفي، مع ما سيرافق ذلك من خلق قطار جهوي سريع RER من الجيل الجديد، يربط بين المحمدية والمحطة الجوية الجديدة بمطار محمد الخامس مرورا بزناتة وعين السبع ومرس السلطان والوازيس وبوسكورة، يعد الفرصة الذهبية لتبادر الدولة بتشبيك هذا المشروع الكبير مع منظومة النقل والتنقل بشكل عام، لردم الأعطاب التي ورثتها الدارالبيضاء بسبب سنوات الرصاص في تدبير المدينة على مر العقود الماضية، عبر التعجيل بإعداد مونطاج مالي ومؤسساتي إضافي لإخراج كل أوراش البنية الطرقية الكبرى المهيكلة للعاصمة الاقتصادية، حتى تبقى الدار البيضاء مضخة للثروة الوطنية، وحتى تكون المدينة في مستوى قيادة التراب الوطني نحو الأعلى ونحو الأحسن.