الالم العولمي … رؤية صوفية احدث …!

الكاتبة السورية هيام سلوم

يقول جلال الدين الرمي : هروبك مما تتألم  سوف يجعلك تتألم أكثر ، تألم حتى تشفى.
ليرد ديستوفسكي : لا يمكن أن تشفى في نفس البيئة التي جعلتك مريضاً ، غادر..!
عبر محطات وتحارب الحياة أدركت أن الأشياء التي آلمتني وأحزنتني كانت أكثر فائدة ومعرفة في أمور الحياة من الأشياء التي أضحكتني .
ولا تزال الآلام التي تنتجها العثرات المتربصة في دروبنا تجعلنا نفهم أمراّ ما .
فالكثير من الابتلاءات الحياتية التي تصادفنا  يكون فيها الكثير من الخير الذي لا نتلمسه إلا بعد حين  . أعلم أن الألم معلّماً جاداً في إيصال دروسه إلى أبناء الحياة وعشاق القوة وطلاب المعرفة. وما تزال امتحاناته صعبة وصامتة تكشف بدقة إمكانية المتعلم وصلاحيته وصلابته أمام أسئلة الحياة الكبرى التي تظهر كل يوم، بل كل طرفة عين على شاشات الحاجات والعلاقات والأحداث التي لا تنقطع ولا تتوقف. لهذا ظل المتعلم يشكو ويتأوّه تحت وطأة الاختبار الذي يرافقه من المهد إلى اللحد؛ إنه الاختبار الذي لا يفوز فيه إلا الخبير الصلب الصبور الذي أكسبَتْه الامتحانات الطويلة منعة وأعطاه الألم أملاً، وعلّمته الصدمات والتجارب الصحو والنحو  الأقرب إلى النجاح.
إنَّ للألم دروباً وآفاقاً لا يدل عليها إلا المتفوقين الأشداء الذين فطنوا سر الحياة وانتبهوا ملاحة الوجع، وأدركوا عذوبة الألم  الذي لا يبيح دروبه وحدائقه للعابرين المستعجلين، ولا يأبه بالشاكين الباكين المهزومين، ولا يحترم أولئك الكسالى المستهترين الذين لا يتعلّمون شيئاً من تعاليمه ولا يحفظون آيةً من كتاب الحياة بامتياز …!
الألم في كثير من مواجعه يعد موسوعة كتاب حياتية وكشكول يضم ألوان السلوك وفصول العلاقات إنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، ولا يغفل شاردة ووارد الا حصاها . من لم يقرأ ويفهم كتاب الألم  فإنه لم يوفّق إلى معرفة بيت المعرفة، ولم يكتسب نضج التجربة، ولم يؤتَ قوة الإرادة وصداقة الجراح.
عندما ندخل بيت الألم ونقف على عتبة أبوابه وحقيقة أسراره، نعشقه ونتعلق به ونكاد لا نفارقه، ولا نستطيع إتمام الحياة إلا به. وربما أوصلنا بالعلاقة معه إلى مستوى نبدأ فيه باختيار الأرقى والأعذب والأقسى منه، كي يكتمل ذوقنا وتنضج تجربتنا، ونصبح جاهزين لتجاوز امتحاناته بتفوّق وامتياز ، من لم يتذوّق الألم صرفاً، لن يتذوّق اللذات صرفة ، إذ ليست اللذات أكثر من إزالة للآلام وتسكينها. حكمة الحياة أن يقيم الشيء في بيت ضدّه، ويخرج الحي من الميت والميت من الحي…!! حكمة الحياة أن ندخل من حيث خرجنا ونعود من حيث بدأنا.
كأن قلبي يدرك حقا أن الحياة خالية من الأضداد والأخطاء والظلام والكفر والغروب…!!
أكاد أرى بجلاء حقيقة الحياة بيضاء مشرقة منسجمة، جميلة ساحرة، طاهرة منزهة، بريئة من كل تلك الصور والتجليات والظهورات الباطلة أو المجازية التي وقعت الحواس الظاهرة القاهرة في شباكها، وأوهامها، والوانها، وراحت تبث رسائل خادعة، وتقرر قرارات خاطئة، وتدعي أنها أدركت ما ترى وأوهمت أصحابها أنهم أصبحوا رائين وعارفين…!!
هكذا وقع الإنسان ضحية أوهام تشبه الحقائق، وتحمل ألوانها وأسماءها، وراح يتخبّط كالناقة العمياء في فوضى حواسه العاجزة…!!
ولولا أنه اطّلع  على دروب الألم وتعرّف إلى فصوله وأبوابه ومعاجم أخباره وأسراره، لظل شقيّاً بائساً جاهلاً مدى الحياة…!!
يقول جبران خليل جبران : لن يتوقف الكون لأنك كسرت !
ولن يقام حفل عزاء لأنك حزنت !
لذا قم وانهض ورمم نفسك بنفسك .
قد نجد فسحة تخلصنا من ضيق الأسئلة الخالدة التي عصت بها الحلول حتى تدرك قلباً وإن بقت بلا حلول فالحياة مستمرة وخالق الأكوان ومبدعها حي لا يموت .

Related posts

Leave a Comment