المنصة الإعلامية

هيام سلوم….

في جلسة لمجموعة من الأدباء والمهتمين بالشأن الثقافي و الإعلامي ، كثرت المداخلات والمناقشات،
وأخذت أصغي دون أن يلفتني جواب، أو يبقى متسع من الوقت لأخذ دوري في الحديث حيث التناطح على الشاشة والظهور والتقاط الصور .
عدت إلى البيت وصديقتي الأقرب التي رافقتني الجلسة ،قررت أن أجيب على السطور عن سؤال كان عنوان جلسة المشاهير وفلاسفة الاعلام،
قلت: كرمى عينك سأكتب عموداً هذا الصباح.
وأجيب على نفس السؤال ماذا لو امتلكتُ منصة إعلامية ضخمة؟
قلت : لن أتعامل معها بوصفها مكبّر صوت أو مساحة للظهور، بل باعتبارها مسؤولية أخلاقية ومعرفية وتاريخية، سأتعامل معها كأداة بناء لا كوسيلة إثارة، وكمنبر وعي لا كمنصة ضجيج. فالإعلام، في جوهره، ليس ما نقوله فقط، بل ما نختار ألا نقوله، وكيف نوجّه البوصلة في زمن فقد الاتجاه.
أول ما سأقدّمه عبر هذه المنصة هو إعادة تعريف وظيفة الإعلام، سأعمل على نقل الإعلام من دوره الاستهلاكي القائم على الصدمة والعناوين الصاخبة، إلى دوره التنويري القائم على السؤال، التفكيك، والبحث عن المعنى .
سأجعل المنصة مساحة للحوار العميق لا للمواجهة، وللفهم لا للتخوين، وللاختلاف الصحي لا للصراع العقيم.
سأبدأ من الإنسان، لأن أي إعلام لا يبدأ من الإنسان ينتهي ضده ،سأمنح صوت الداخل أولوية على ضجيج الخارج؛ الداخل الإنساني، النفسي، الفكري، والثقافي.
على مستوى البرامج، سأطلق مشروعاً إعلامياً متكاملاً يقوم على بناء الوعي الجمعي لا توجيهه قسرياً ، تحت عنوان «كن واعياً»، لا بوصفه شعاراً أخلاقياً، بل كمنهج حياة. هذا البرنامج لن يقدّم إجابات جاهزة، بل سيعلّم المشاهد كيف يطرح الأسئلة الصحيحة: كيف يفكّر؟ كيف يقرأ؟ كيف يشكّ دون أن يهدم؟ وكيف يؤمن دون أن يُقصي؟
في هذه المنصة كنت سأستضيف مفكرين، كتّاباً، باحثين، تربويين، أطباء نفسيين، فنانين، وعاملين في الميدان الاجتماعي، لا ليكرّروا ما نعرفه، بل ليكشفوا ما لا يُقال.
لن أعرض ماركات الملابس العالمية ، ولا أحدث انواع العطر والموضة .
سأغيّر زاوية النظر إلى القضايا اليومية، فبدلاً من برامج تكرّس الخوف عبر الحديث المستمر عن العنف، الطلاق، الجريمة، والانهيار، سأقدّم برامج تطرح السؤال الجذري: لماذا يحدث كل ذلك؟ ما الخلل التربوي؟
سأخصّص مساحة واسعة لـ قصص الإلهام الحقيقية؛ لا القصص المزيّفة المصنوعة للترند، بل قصص الناس العاديين الذين صنعوا فرقاً بصمت: معلّم غيّر حياة طلابه، أمّ ربّت جيلاً واعياً، شاب تجاوز العنف بالفكر، امرأة كسرت القوالب بالمعرفة. لأن المجتمعات لا تُشفى بالأخبار السيئة، بل بالنماذج الحيّة.
ثقافياً، سأجعل المنصة جسراً حقيقياً بين الثقافات، لا عرضاً فولكلورياً سطحياً. سأربط بين الثقافة السورية والعربية والإنسانية، سأفتح ملفات الهوية، الذاكرة، اللغة، والانتماء، بعيداً عن الخطاب الطائفي.
أما المرأة، فلن أقدّمها كقضية منفصلة أو كصوت احتجاجي فقط، بل كعنصر فاعل في بناء المعرفة. سأبرز التجارب النسوية الجادة في الفكر، الأدب، التربية، والعلم، من دون خطاب استدرار عاطفي أو صورة نمطية. المرأة في منصتي ستكون شريكة في إنتاج الوعي لا مادة للجدل.
سأستخدم التكنولوجيا الحديثة، لكن من دون أن أسمح لها بابتلاع الجوهر. المنصة ستكون رقمية، تفاعلية، منفتحة، لكنها محكومة بأخلاقيات واضحة: لا تزييف، لا تحريض، لا استسهال، ولا استغلال للألم الإنساني. سأؤمن بأن قوة المنصة لا تقاس بعدد المتابعين، بل بعمق الأثر.
في النهاية،
المنصة الإعلامية ليست في حجمها، بل في رسالتها. ليست في عدد برامجها، بل في صدق رؤيتها.
الإعلام القائم على الوعي قادر على صناعة المعجزات.

Related posts

Leave a Comment