نادية الصبار
في نسخته الأولى، تحدّى هشام دينار، ابن موكادور، فكرة الاختلاف، فجمع في ملحمة “روح الثقافات” فنانين من مختلف الديانات والثقافات، وأنغامًا موسيقية تراثية من المديح والسماع إلى الكناوي والشكوري والعيساوي والأمازيغي. التقت هذه الألوان عن قصد، لتكون البداية والنواة، لتسجّل سنة 2023 ميلاد مهرجان يجسد روح التنوع الثقافي والتسامح الديني.
وبإصرار على ترسيخ هذا النهج، جعلت جمعية شباب الفن الأصيل للسماع وتراث الزاوية القادرية بالصويرة من المهرجان موعدًا سنويًا يحتفي بالتعايش والسلام، مسترشدًا بالتوجيهات الملكية السامية لجلالة الملك محمد السادس حول تعزيز الحوار بين الأديان واحترام التنوع الثقافي. كما يعكس المهرجان روح الدستور المغربي في صيانة تلاحم الهوية الوطنية، التي تنصهر فيها المكونات العربية الإسلامية والأمازيغية والصحراوية الحسانية، بروافدها الأندلسية والعبرية والمتوسطية.
وبعد النجاح الكبير للنسخة الأولى، واصل هشام دينار ومن معه—من رجالات دين وتصوف، وشخصيات سياسية ودبلوماسية بارزة—الرهان على جمع الأديان والموسيقى والروحانيات في نسخة ثانية، تميزت بشراكة قوية مع مؤسسة الثقافات الثلاث بالأندلس، برئاسة مستشار جلالة الملك أندريه أزولاي، إلى جانب رئيس حكومة الأندلس. والتي شهدت حضورًا لافتًا لـ”الأخويات الدينية الثلاث”، ومشاركة أكثر من 120 فنانًا من مختلف الديانات، قدموا عروضًا موسيقية وحوارية تاريخية، سواء في دار الصويري أو بالمسرح الكبير.
واليوم، تستعد الصويرة لاحتضان النسخة الثالثة من المهرجان، التي ستقام بين 21 و23 فبراير الجاري، تحت شعار “روحانياتنا في تقاسم: بين الأخلاق والجمال”. هذه النسخة تأتي بتعاون جديد مع مؤسسة ماتشادو بإشبيلية، إلى جانب استمرار الشراكة مع مؤسسة الثقافات الثلاث، مما يعزز البعد الدولي للمهرجان.
وستكون النسخة الثالثة كسابقاتها مناسبة لإبراز مكانة الصويرة كنموذج لا مثيل له للتعايش الديني والثقافي ومناسبة تجمع بين مختلف التعبيرات الفنية والروحية لمختلف الديانات والثقافات، من موسيقى السماع الصوفي إلى الطقوس الدينية المشتركة. كما سيشهد المهرجان على غير العادة استعراضًا صوفيًا في أزقة المدينة بمشاركة الطرق المغربية والإسبانية، إلى جانب فرق فنية عالمية.
كما ستمتاز هذه النسخة بتسليط الضوء على الروابط بين الروحانيات والصناعة التقليدية، حيث سيتم تقديم صليب خشبي مصنوع يدويًا في الصويرة إلى أخوية مسيحية بإشبيلية، مع تنظيم ورشات حول الصناعات الصوفية والفنون بمدينة الصويرة.
وهكذا، يواصل المهرجان الدولي “روح الثقافات” بمدينة الصويرة ترسيخ مكانته كمنبر عالمي للحوار الروحي والتعددية الثقافية، مؤكدًا من جديد على دور المدينة كعاصمة عالمية للدبلوماسية الروحية والانفتاح الثقافي.