نصوص محلقة…! حرب عكس اتجاه الواقع..!

هيام سلوم : موسكو

قراءة في رواية (ﻗﺒﺲ ﰲ ﻣﺪن ﻋﺎﻫﺮة ) …
للأديب حسين الذكر….
خطت حروف هذه الرواية بطﺮﻳﻘﺔ ﻣﺘﻔﺮدة في كل شيء في لغتها وعرضها وروعة معناها وعمق مغذاها ٫ وﻳﻤﻜﻦ تشبيهها بكاس كوكتيل يحتوي ﻛﻞ أﻟﻮان اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ اﻟﺸﻬﻴﺔ ﻣﻊ المطيبات والمكسرات المحلات بعسل صاف ﻻ ﺗﻄﺎله ﻳﺪ اﻟﻐﺶ. 
ﻫﻜﺬا ﺟﺎءت الرواية ﺛﺮﻳﺔ ﻏﻨﻴﺔ ﺗﻀﺞ بمعان وآلام وتصاوير من الواقع ﲤﺪدت ﻋﲆ أرضها،
ﻓﺠﺎءت ﺳﺠﺎداً عجمياً ﻓﺎﺧﺮاً أﻋﻄﻰ  اﻟﻘﺎرئ اريحية ورﻏﺒﺔ ﰲ اﻻﺳﺘﻜﺸﺎف . .
دعونا نقرا ﺑﻌﺾ ﺳﻄﻮرها  التي جاد الكاتب بفحواها : “ﺣﺎوﻟﺖ ان أﻗﱰب ﻣﻨﻪ ﺳﺎل ﻟﻌﺎﰊ ﻟﺘﺬوق ﻟﻔﺤﺎت ﻧﺎره ﺗﺼﻮرت أﳖﺎ ﲣﺒﻄﺎت أﻋﻤﻰ أو ﻧﺰﻋﺎت ﴏﻳﻊ ﺑﺪا وﻛﺄﻧﻪ ﻏﺮﻳﻖ اﻧﺪﻟﻖ ﻣﻦ ذروة أﻋﲈق اﳌﻮج ارﲤﻰ  غافياً ﻋﲆ ﺣﻔﻴﻒ ورﻳﻘﺎت أﺧﺮﻳﺎت اﳌﻮاﺳﻢ ، ﻳﺎ ﺗﺮى ﻣﻦ ﺟﺎد ﺑﻪ ﱄ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﺳﻨﻮات  اﳍﺠﺮان ؟
ٱه ﻣﺎ أﺗﻮﻗﻨﻲ إﻟﻴﻪ ، رﺑﲈ ﻻ أﻋﺮﻓﻪ وﻗﺪ ﻻ أﻏﺮف ﻣﻨﻪ ﺷﻴﺌﺎ ﻟﻜﻦ ﳎﺮد اﻹﺣﺴﺎس ﺑﺎﻻﻧﺘﲈء اﻟﺘﻴﻬﻲ ﻳﻘﺮﺑﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ﻛﻢ ﲨﻴﻞ ﻋﻠﻴﻪ  ﻟﺒﺎس اﻟﻀﻴﺎع ، ﻛﻢ  ﳌﺸﻬﺪﻳﺘﻨﺎ ﻃﻌﻢ وذوق ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ أن ﻳﺮاه وﻳﺘﺤﺴسﻪ ﻏﲑﻧﺎ ﻛﺒﻠﻬﺎء ﻧﺎﺋﻤﻮن ﺑﻌﻴﺪاّ ﻋﻦ  أﺻﻘﺎع دون أن ﻧﺪور ﺧﻠﻒ اﳌﻘﺎﺻﻊ).

ﻳﺄﺧﺬﻧﺎ الكاتب إلى ﻋﺎﱂ ﻟﻐﺘﻪ اﻟﺘﻲ  ﻇﻬﺮت ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻈﺎﻫﺮ التفرد واﻟﱰف اﻟﻠﺼﻴﻘﺔ ﺑﺎﳋﻴﺎل واﻟﺸﺎﻋﺮﻳﺔ اﳌﺘﻮﻗﺪة ﻛﻨﺎر ﺗﺮاﻗﺺ ﳍﻴﺐ  ﺟﻨﻮﳖﺎ وﻫﻮ ﻳشعل  بيادر من ﺣﻄﺐ اﻻﻧﻜﺴﺎر والألم ﰲ أﺗﻮﳖﺎ.
ﺻﻮر ﻣﻦ واﻗﻊ ﻣﺆﱂ ﺣﺪّ  اﻟﺘﻘﺮح واﻟﺘﻘﻴﺢ. واﻗﻊ ﻣﺄﺳﺎوي وﺻﻮر ﻻ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﰲ ﻟﻮﺣﺔ ﻳﺮﺳﻤﻬﺎ ﻟﻨﺎ ﺑﺪﻗﺔ وﲨﺎﻟﻴﺔ  وإﻧﺴﻴﺎﺑﻴﺔ. فﺘﺨﺮج ﺑﺄﲠﻰ ﺣﻠﻠﻬﺎ ﺗﺒﺪل اﻟﻜﻠﲈت ﻓﺴﺎﺗﲔ إﻃﻼﻟﺘﻬﺎ ﻟﻜﻞ ﻓﻜﺮة وﻛﺄﳖﺎ ﺗﻌﻴﺶ ﺣﺎﻟﺔ ﺛﺮاء ﻣﻠﻔﺘﺔ راﻓﻘﺘﻨﺎ ﻃﻴﻠﺔ ﻓﺼﻮل  اﻟﺮواﻳﺔ.
ﻣﻊ ﺑﺮوز اﻟﻜﺜﲑ ﻣﻦ اﻟﺘﺸﻮﻳﻖ ﰲ ﺑﻨﺎءه اﻟﺪراﻣﻲ اﻟﺬي اﺗﻘﻦ وﺿﻊ أﺳﺴﻪ  وﺣﺠﺎرﺗﻪ وﺷﻴﺪه.
ﻓﺠﺎء وﻛﺄﻧﻪ في روايته  يعكس حضارة لغة غير معروفة مع الأيام ستؤكد لكل من يقرأوها أنها لغة في عمقها وفلسفتها وتميزها تشبه حضارة ﺑﻼد اﻟﺮاﻓﺪﻳﻦ واﻟﻴﻤﻦ اﻟﺴﻌﻴﺪ.
دعنا أيها القارىء نترافق ﺳﻮﻳﺔ اﱃ ﺑﻌﺾ ﻋﻨﺎوﻳﻦ ﻧﺼﻮص اﻟﺮواﻳﺔ “ﻣﻘﱪة اﻷﺣﻴﺎء” .. ( ﻻ ﳜﻄﺮ ﺣﺘﻰ ﻋﲆ ﺑﺎل اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻣﺎذا ﺳﻴﺤﺪث ﳍﺬا العاﱂ ﻟﻮ ﻇﻠﺖ ﻣﻔﺎﺗﻴﺤﻪ ﻣﻌﻠﻘﺔ ﺑﺸﻬﻮات الإﻧﺴﺎن ﻳﻔﻌﻞ  ﲠﺎ ﻣﺎ ﻳﺸﺎء).
ﻋﻨﻮان آﺧﺮ (ﺷﻴﻄﺎن اﳌﺪﻳﻨﺔ) ..”
ﻗﺎل أﺣﺪ اﻟﺼﺒﻴﺔ ﻷﻣﻪ وﻫﻲ ﺗﺪاﻋﺒﻪ ﺑﺄﻧﲔ  اﻟﻠﻴﻞ ﻛﻲ ﻳﻨﺎم ﻣﻦ ﺷﺪة اﳉﻮع أﺣﻘﺎ أن اﻟﺴﲈء ﺳﺘﻤﻄﺮ ﻟﺒﻨﺎً وﺣﻠﻴﺒﺎً ﻳﺎ أﻣﻲ)
ﻋﻨﻮان آﺧﺮ  (غﺰل ﺳﲈوي) ..”
.(ﻣﻦ ﺣﺒّﻬﺎ ﻓﺎﺿﺖ اﻷﳖﺎر وﻣﻦ ﺣﺰﳖﺎ ﺗﺴﺎﻗﻂ  اﳌﻄﺮ ﻟﺘﻬﺐ  اﳉﻤﻮع ﻣﺮﺗﺪﻳﺔ اﳊﺘﻮف درﻋﺎ ﻟﻠﺤﻴﺎة ﺗﻠﺒﻲ اﻟﻨﺪاء ،ﱂ ﻳﺒﻖ ﺟﺮح ﻧﺎزف إﻻ وﺗﻀﻤﺪ ﺑﻪ  وﻻ ﺟﺴﺪ ﻣﺴﺠﻰ إﻻ وارﺗﺪاه ﻋﻠﻢ إلى ﻋﻠﻴﲔ) .
ﻣﻦ ﺧﻼل ﻫﺬه اﻟﺼﻮر  اﻟﻘﺼﲑة واﻟﻌﻨﺎوﻳﻦ اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻳﺮى اﻟﻘﺎرىء ﻛﺜﺎﻓﺔ اﻟﺘﻌﺒﲑ واﻟﻐﻨﻰ ﰲ اﳌﻌﻨﻰ واﻟﺒﻼﻏﺔ ﰲ اﻟﻜﻼم ﻛﻞ ﻋﻨﻮان ﻳﺼﻠﺢ أن  ﻳﻜﻮن رواﻳﺔ ﺑﺤﺪ ذاﺗﻪ
ﺗﺴﱰﺳﻞ وأﻧﺖ ﺗﻘﺮأ ﻧﺼﻮﺻﻪ  وﻛﺄﻧﻚ ﺗﺪﺧﻞ ﻋﺎﳌﺎً لم تطأه قدماك من ﻗﺒﻞ، ﳖﺮ  ﻣﻦ اﳉﲈل ﻳﻔﻴﺾ ﻋﲆ ﺿﻔاف ﻟﻐﺘﻪ ﺑﻔﻠﺴﻔﺔ اﻣﺘﺰﺟﺖ ﺑﺎﳊﺪث ﻓﺄﺳﺪﻟﺖ ﺷﺎﻻً ﻣﻦ اﳉﲈﻟﻴﺔ ﻋﺎﻧﻘﺖ اﻟﴪد اﻟﻠﻐﻮي
اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﲆ أﻋﻤﺪة  ﻗﻮﻳﺔ ﰲ اﳌﻌﻨﻰ واﳌﻐﺰى .
وﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﺄﺧﺬﻧﺎ وﻧﺤﻦ ﻧﻘﻠﺐ ﺻﻔﺤﺎت اﻟﺮواﻳﺔ إلى أماﻛﻦ  ﺑﻌﻴﺪة ﰲ اﻟﺬﻫﻦ  ويمطرﻧﺎ ﺑﻮاﺑﻞ ﻣﻦ اﻷﺳﺌﻠﺔ اﳌﺘﻌﺎﻧﻘﺔ اﳌﺘﺸﺎﻗﻘﺔ ﺣﺪ اﻟﻀﻴﺎع.
فتغوص ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻔﺴﲑات ﺑﲔ وﺿﻮح وﻏﻤﻮض ﺑﲔ ﻓﻬﻢ وﳖﻢ ﺑﲔ ﺟﻨﻮن وﻓﺘﻮن .
ﻳﺄﺧﺬ ﻧﺎ اﻟﺬي أرﺟﺢ أن أﻟﻘﺒﻪ بالفيلسوف  اذ اراه اقرب اليه من  ﻛﻠﻤﺔ أدﻳﺐ أو ﺻﺤﻔﻲ أو ﻛﺎﺗﺐ ﻷﻧﻨﻲ رأﻳﺖ ﻋﱪ ﻗﺮاءﰐ ﻟﻪ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ  اﻟﻌﻤﻴﻘﺔ حدَّ الذهول ﱂ أرﻫﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻜﺜﲑﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺮأﲥﻢ.
ﻓﺘﺎرة ﺗﻠﻤﺲ اﻟﺴﻘﺮاﻃﻴﺔ وتارة أﺧﺮى اﻟﻄﺎﻏﻮرﻳﺔ ،
أبجدية اﺳﺘﻨﺪت ﻋﲆ أﻋﻤﺪة ﻣﻦ  ﳖﺞ اﻟﺒﻼﻏﺔ  واﻟﻔﺼﺎﺣﺔ  ﻓﺘﻐﻴﺐ  ﻣﻮﻏﻼً ﰲ أدﻏﺎل ﻣﻦ ﻏﺎﺑﺎت اﳌﻌﻨﻰ ﺗﺸﺒﻪ ﻏﺎﺑﺎت اﻷﻣﺎزون ﰲ  ﲨﺎﻟﻴﺔ ﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻬﺎ وأﳘﻴﺘﻬﺎ ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺒﴩﻳﺔ.
ﲪﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺎر ﰲ ﺗﻌﺎﺑﲑه وﻣﻌﺮاج ﻧﺤﻮ  اﻟﺮﲪﻦ ﰲ ﻓﻜﺮه ﻳﻮﻏﻞ ﰲ وﺻﻒ اﳊﻜﺎﻳﺎ وﴎد اﻟﻘﺼﺺ وﻳﻔﻮص ﰲ ﺧﻠﺠﺎت اﻟﺮوح ﻳﻼﻣﺲ الدﻣﻮع واﻟسطوع.
يأخذنا ﺑﻴﺪه ﻧﺤﻮ ﺷﻂ ﻣﻦ اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ﻋﱪ ﺗﻠﻮﻳﻦ  أﻓﻜﺎره وﺗﺪوﻳﺮ ﻣﻌﺎﻧﻴﻪ وﺻﺒﻬﺎ ﰲ ﻛﺆوس ﻣﻦ ﻧﺒﻴﺬ ﺗﻨﴩ اﻟﺪفء ﺑﺸﺤﻨﺎت ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ  ﺣﻴﺎﺗﻴﺔ وﺟﺪاﻧﻴﺔ ﺗﺘﻜﺮر ﺑﲔ ﺣﲔ وﺣﲔ ﻓﻴﻔﺼﻠﻚ ﻋﻨﻪ ﺑﺮهة ﻟﺘﻌﻮد ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ . وﺗﺘﺼﻞ بنور فكره فتضيء ﻋﺘﻤﺘﻚ وﺗﻐﺐ ﻣﻦ ﻳﻨﺎﺑﻴﻊ ﺳﻠﺴﺒﻴﻠﻪ ﻋﺬب اﳌﺎء وﻛانه لص يمشي على رؤوس أﺻﺎﺑﻌﻪ ﻟﻴﺪﺧﻞ اﳌﻜﺎن وﻳختلس ما يريد . ﻳﺴﺘﺪرﺟﻚ اﻟﺬﻛﺮ ﺷﺎﺧﺼﺎً ﻋﻴﻨﻴﻚ واﻧﺖ ﺗﺮى كلمات سطوره ﻛﻴﻒ ﺗﺮﺳﻢ ﺑﻔﻦ وﻣﻬﺎرة  ﺑﺤﺲ ووﺟﺪاﻧﻴﺔ ﺑﻔﻠﺴﻔﺔ ﻣﺆﺛﺮة ﻣﻌﻤﺮة ﳌﺎ ﲥﺪم ﰲ داﺧﻠﻚ وﺟﺎﺑﺮة ﳌﺎ ﺗﻜﴪ  ﻣﻦ ﺿﻠﻮﻋﻚ. ﰲ رﺣﻠﺔ ﺷﺎﻗﺔ ﺷﻴﻘﺔ رﺣﻠﺔ في اﺳﺘﻨﻄﺎق  ﻛﻮاﻣﻦ اﻟﺮوح واﻟﺬات الإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ، تساﻓﺮ بين صفحاتها وﰲ ﺟﻌﺒﺘﻚ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺒﺘﻐﻴﻪ ﻣﻦ رﻓﺎﻫﻴﺔ رﺣﻠﺔ ﰲ عالم غني بالدهشة في زﻣﻦ اﻟﻘﺤﻂ اﻟﻔﻜﺮي  الأﺧﻼﻗﻲ.
في الختام أود التنويه أن للكاتب الذكر أكثر من خمسة وعشرين كتاباّ أذكر منها:
– تراتيل على هامش الذاكرة
– شيفرات حيوانسانية
فضائح الديمقراطية
– بنفسجية الوهم
-بانوراما العرب
– وداعاً يا ولدي
– شياطين الحلف المقدس
وغيرها الكثير.

  .

Related posts

Leave a Comment