– ثقافة”بُو وْذِينَة”- (محكيات)

●- ناصر السوسي

نتكلم كثيرا..
ولِمَاماً نصغي لِمَنْ يُخَاطِبُنَا.
نتحدث بإسهال صارخ لأننا نتوهم أن في جعبتنا ماهو مفيد لمن نَحْسَبُ أنه ينصت لنا، أو نَخَالُ أن لدينا أشياء من اللاَّزِبِ قولها.
فغالبا مانظن أننا نشرح، أو نحلل، أو نعلق، أو أن لدينا مايمكن إضافته إلى موضوع لم يعد البتة راهنيا. هكذا إذا “نعلق”، وبالأحرى نحلق بعيدا عن صميم الإشكال وهيكل الموضوع.
سيلان لغوي بمعنى العبارة، وركام ملفوظات، وانفلات أفكار ليس غير..
نقرأ، ماشاء لنا أن نقرأ، هذا إن نحن قرأنا بالفعل، فلا نحيط بطيات الأثر المقروء على اعتبار أننا نأخُذُ بالسطح والمظهر ، فَنُعَرِّدُ عن العمق والجوهر عملا بالمأثور المعكوس”خُذِ العُود وَارْمِ العُنْقُود”.
معضلتنا تتحدد في ضبابية إدراكنا، وتشوش تعاطينا مع فعل القراءة الشيء الذي يُعَسِّر، بالمحصلة، إمكانية تقليب النصوص في كل أوجهها، والنفاذ إلى مغالقها، وقراءة بياضاتها هدفا إلى ستكشاف طبقاتها الدفينة ومعاني معانيها بتعبير صاحب “أسرار البلاغة” عبد القاهر الجرجاني.
نحن نعشق فن الذاكرة THE ART OF MEMORY، ويغرينا النمط المَسْيَدِي في التلقين والسرد إغراءا لاضَدِيدَ له. من”مسيد” الحَصِير العتيق إلى”مسيد” السبورة العصري، ووصولا إلى”المسيد”الجامعي اليوم حيث التمسك بالأصنام، والركون إلى الأوثان الممانعة للنقد والنقض، والمعرقلة لتجربة التخطي والتجاوز، والمناهضة للانعتاق والتحرر من سفاسف التقليد وأغلال الماضي، والمقيدة للانطلاق والإبداع اللتين يتغياهما العقل العصري المنفتح على المغامرة، واكتشاف المجهول.
لذلك طفِقْنَا مَيَّالِين إلى فَذْلَكَاتِ الكُلُم، والتراشق اللفظي، والملاسنات الجوفاء، وثرثرات”راس الدرب”، وحدوثات المجامع.
هكذا أصبنا بتخمة القول، وابتلينا بعمى البصيرة،
والتبست الأمور،
وادلهمت الرؤية أمامنا،
ليشتبه علينا البقر..
مِنَ”الجامع”إلى الجامعة!!
ومن الجامعة إلى”الجامع”!! كما ورد في ردٍّ سَدِيدٍ للمفكر العربي الأستاذ عبد الله العروي على خَطَلِ شبيه بالمتعلم، وَرُعُونَةِ من بالكاد حارب بالنقل لا العقل الأمية الألفبائية، في قلب مدرج كُلِّية آرْتَدَّتْ إلى جُزْئية!! ذات محاضرة بَاذِخة.. حين دَوَّى صوت أستاذنا عبد الله العروي مُعَقِّباً بصرامته العلمية على خَلْطِ مُدَّعٍ(=بل مُتَطَاولٍ مُتَطَفِّل)بين العلم والتخريف، والتعقيل والسفسطة، وبين اللوغوس والميتوس: “واحدة من اثنين: لربما كنتُ قاصدا الجامعة ووجدتُني في”الجامع” أو لربما كنت متوجها إلى”الجامع” فَأَلْفَيْتُني في الجامعة!!!!!”
بو وذينة”رفيقنا أَيَانَ ذهبنا. في قاعات الدرس، والامتحان، والمباراة: واش حافظ مزيان للامتحان؟؟!! هَارْدْ التاريخ ؟هارد الجغرافيا؟؟ هارد الفلسفة؟؟هارد الرياضيات؟؟ هارد الفيزياء؟؟؟
غادي” تعرض”عليهم واقيلا !!!!
بو وذينة عُكَّازُ طريقنا في تكريس كل أشكال الهَدْرِ، وتَأْزِيلِ التخلف والتبعية من خلال تنشئة الإنسان الرث L’HOMME MÉDIOCRE بتعبير السوسيولوجي-الفيلسوف MAX WEBER..
بو وذينة رفيقنا في “تيكتوكات” التتفيه والتخدير، وتسطيح الوعي وتعطيل العقل.
في أُسَرٍنا،
في حميمياتنا،
وغرفنا الخاصة،
في اجتماعاتنا،
في علاقاتنا المختلفة،
في مكالماتنا الهاتفية،
على الواتساب،
والميسانجير
في الفضاء الأزرق،
و على اليوتوب،
احبنا بوذينة واحببناه لأنه كبر معنا ورعانا.
نلتقيه لأننا استمرأناه،
واستحليناه،
في المقاهي،
في الحافلات،
في سيارات الأجرة،
في قاعات الإنتظار،
في أفراحنا،
وفي كل حفلات”طقوس العبور”
حتى في أتراحنا نحن لا نفرط في بو وذينة ابدا مهما كان الأمر..
تحية للتنشئة على بو وذينية..
تحية لبو وذينة “الطوطم”القشيب،
الذي يفعل فينا أفاعيله إلى أقصى الحدود: قال الشاعر.. وروى فلان. وزعم عِلاَّن.. وَقِيلَ عن زيد..
و حكى عمرو.. وقلن، وقالوا، ويقولون!!!!…
وَرَحِم الله شاعر “الحوليات” زهيرا بن أبي سُلمى الذي أنْشَدَ بِبَيانٍ وفَصَاحَةِ لسانٍ:
وفيهم مَقَامَاتٌ حِسَانٌ وجوهُهُم : وأنديةٌ ينتابها القولُ وَ[لا] الفِعْلُ
وإن جئتُهم ألفيتُ حول بيوتهم : مجالس قد يشفى بأحلامها الجَهْلُ.

( ●- ناصر السوسي )

Related posts

Leave a Comment