–
ناصر السوسي
تهتم السوسيولوجيا بالظواهر الاجتماعية مثلما تهتم بروح المجتمعات الإنسانية.
لكن هل يتيسر لنا القول إن الفلسفة والأدب كما مختلف الأشكال التعبيرية بعيدة أشد البعد عن عالم السوسيولوجيا؟
يبدو لي ان العقلانية المفرطة L’ARRAISONNEMENT كما انتقدها كبار الفلاسفة المعاصرين وعلى رأسهم مارتن هايدغر HEIDEGGER هي التي رمت باللاعقلاني خارج مدار وحقل السوسيولوجيا..
من ثم فإن ال QUANTOPHRÉNIّE وبالً على السوسيولوجيا كما يرى عن حق PITRIM SOROKIN إذ من شأنها إضمار ومواراة امورا قد تكون ذات أهمية قصوى بالنسبة للباحث. العقلانية المفرطة تقذف ب “روح الشعوب وعبقريتها، “بتعبير كبار الفلاسفة الجيرمان، إلى هامش البحث والاستقصاء وخارج مدار اهتمام السوسيولوجيا.
لذلك، وفي السياق ذاته نجد عالم الاجتماع و الأنثروبولوجيا الفرنسي، صاحب كرسي CHAIRE دروكايم في السوربون الأستاذ MICHEL MAFFESOLI، يجتهد في إرساء دعائم سوسيولوجيا وانثروبولوجيا من منظور، يغاير ما اعتدناه عليه، يقوض بقوة هائلة بين ثناياه مايسمه ب”علم الاجتماع الأورثوذوكسي الأعمى” الذي لايقيم وزنا يذكر لقضايا ال QUOTIDIENNETÉ ولالايبدي اهتماما للمخيال IMAGINAIRE بالطريقة التي طرحه بها GILBERT DURAND أو HENRY CORBIN بالنسبة للتشيع الإثنا عشري الإيراني، والخيال، والأسطورة، والصورة و الرمزي، ومخالف أضراب التخاطب، والتواصل، والاستهلاك، والرياضة، و الموسيقى، إلى جانب انساق الموضة، ووصلات الإشهار، واحاديث الناس، وحفلات الشاي، والأشغال اليومية… المطبوعة كلها، وفق مايرى، بخواص طقوسية غايتها لحم ورتق الحياة الاجتماعية..
وتحصيلا من هذا القول، اؤكد ان الشعر، والأدب، والرواية، والمسرح، والأشكال التعبيرية الرمزية هي في أبعادها نصوص تنطوي على جوانب سوسيولوجية في منتهى القوة اعتبارا لكونها تتضمن رؤية، وتحمل تصورا ما للإنسان والواقع، وللعلاقات الاجتماعية(ادب فيدور دوستويفسكي، و سرديات انطون تشيخوف واعمال نجيب محفوظ انموذجات).
ألم يعتمد عالم الاجتماع حليم بركات على النصوص الأدبية في تحليل، وتفكيك المجتمعات العربية؟
ألم تعتمد فاطمة المرنيسي على النصوص التراثية لتشريح الذهنية البطريركيةولنقد المركزية القضيبية؟
الم ينكب غالي شكري على الأدب الروائي، والسرد العربي قصد تعميق تحليلاته فيما يرتهن بالصراع السياسي في المجتمع المصري بدء من عصر محمد علي، ومرورا بفترة الخديويات، ووصولا إلى زمن الناصرية وانتهاء بالمرحلة الساداتية؟
ألم يحمل الناقد عبد الفتاح كيليطو براغي الصانع المحترف بغية استنطاق النصوص، وهتك حجبها توقا إلى إعادة بناء معنى من المعنى؟
ألم يعتمد عالم النفس الاجتماعي مصطفى حجازي على النصوص الأدبية كمتون مركزية هدفا إلى تقليب وتشريح بنية العلاقات السلطوية في العالم العربي؟؟؟
عصرنا اليوم هو عصر تلتقي فيه العلوم، وتتحاور اكثر من اي وقت مضى وبخاصة الفلسفة كاستراتيجية جذرية للنظر، والإبيستيمولوجيا كشرط منهجي ومعرفي على اعتبار أن عصرنا الراهن المعولم بالغ التعقيد، والتشابك وهو لذلك يستلزم الحذر المعرفي، والتعددية PLURIDISCIPLINARITÉ في التكوين، والنظر والمقاربات ..