– الحرب والتهويش !!!! – ( محكيات)

ناصر السوسي

زرته اليوم. ألفيته ينتبذ مَوْئِلاً قَصِيّاً. هكذا صار في أقصى درجات عزلته. توحده رغم جهاز التلفاز ومتابعته لأطوار مقابلة في كرة القدم. هو يعلم جيدا أنني لم أعد أتابع مباريات كرة القدم منذ عقود خلت. خفض من زعيق المعلق الرياضي. وضعت أمامه كل ماطلب مني القيام به منذ أسبوع. لم يشكرني. هو يعلم علم اليقين أنني لا أنتظر جزاء و لاشكورا مادام الفعل مدنيا والتزاما مع الذات بدء ومنتهى قبل الغير. وضع كأسا أمامي عَبَّأه بمشروب غازي. فضلت كوب ماء عادي من ماء الحنفية لأنني عودت نفسي مذ “غنيت الربعين”على الاعتدال في نظام وأسلوب الحياة ومن ذلك عدم تناول أي مشروب غازي. صوت صديقي كان مبحوحا. كان متقطعا أيضا لذلك واجهتني صعوبات في فهم مخارج حروفه. اقتربت منه وأنا أضع كوب الماء الذي أتيت عليه بالتمام والكمال عساني أتبين قوله. ردد كثيرا على مسامعي” أتوني من حيث لم أحتسب !!!!! “. حينما غادرت حجرته الداكنة التي خيم عليها صهد الهجير تذكرت ان مناضلي” المؤتمر القومي العربي” اجتمعوا يوما بأرض السنديان والأرز لبنان . لبنان التي في الحشا…وفي الدم. بيروت على وجه التحديد. وتذكرت قول” عسكرتاري نيو-إسلاموي اضحى براغماتيا، قومويا، عروبويا، اشتراكويا” و كان يفخر بعنتريات التحشيد والتجييش، ويهوى معارك الأشداق والحروب الكلامية!!!!! ويمهر في “التهويش” على حد تعبير الأديب الكبير “توفيق الحكيم ” في” عودة الوعي” ليتلقى”دقة بعد دقة”، و ليحصل بعد سلخة على سلخة أشد و أمر وهو يواجه عدوا على دراية بتوظيف العلوم المحضة، والإنسانيات سلاحا في الحروب والمعارك حيث شيد جامعة قوية اسعفته في تمثل منطق العالم المعاصر فحصل من ذلك مجتمعه وعيا موضوعيا في ما يرتهن بالذات، والتاريخ، و العلاقات الدولية، وبنى مراكز THINK TANK للاستشارات الاستراتيجية، وخص القضايا الثقافية، وأضراب الفنون، ومختلف الآداب الجميلة LES BELLES LETTRES باهتمام بالغ توقا إلى استكمال بناء الإنسان بما هو مبتدأ وخبر التنمية الشاملة.
خسر ال RAÏS، بتعبير JEAN LACOUTURE، العسكرتاري القوموي، الخالد بهزائمه المتلاحقة، جميع الحروب التي خاضها اعتمادا على الديماغوجية، والتهويش والفذلكات اللغوية لأنه لم يحسب لها حساباتها الاستراتيجية، والسياسية، والاقتصادية والمعرفية، و ليبرر سوء تقديره اللاموضوعي للأمور، وبكلام غير مسؤول لسورياليته يروم التملص من مسؤوليته التاريخية ” كنا ننتظرهم من جهة الغرب فأتونا من جهة الشرق !!!!!!!. ” اي “من حيث لم يحتسب !!!!! ” و “من حيث لم يظن ولم يقدر !!!! “…
ألا يعلم الرجل أن الحرب علم واستخبار، وخدعة فمباغثة؟
لماذا لم يستوعب الرجل وهو ببلاد “طاغور ” دلالة وعمق عبارة سياسي فطن ونبيه هو “جواهر لال نهرو ” وقد نصحه بحكمة ثمينه: ” إن السياسي “يحتاج إلى قليل من الشعر الأبيض !!!! ” …
سوء الظن من الحزم.
العدو عدو …
و الحرب حرب،
وسجال…
بهذا المعنى تغدو جميع الأسلحة ممكنة في كل منازلة.
لاوجود لحرب نظيفة وأخرى غير ذلك كما ادعى جورج بوش الأب وهو ينحر شعبا عن بكرة أبيه بالحديد والنار أمام أنظار العالم ويدمر حضارة الرافدين العريقة غاية في بناء ” نظامه الدولي الجديد ” .
لاوجود لحرب مدنية/حضارية واخرى بربرية / وحشية كما كتب الجينرال البروسي “كارل فون كلاوزفيتس “.
الحرب هي قضية حياة أو موت كما كتب” سن تزو SUN TZU “في” فن الحرب THE ART OF WAR “. الحرب هي حالة الأصلية التي تسكن البشر بغرائزها الهدامة واندفاعاتها الجموحة رغم المضاف الاجتماعي/ الطبيعة الثانية التي يتمثلونها، ويتماهون معها وهم يتصنعون العيش المشترك، و القيم النبيلة، والفضائل الإنسانية، والمثل السامية ومكارم الأخلاق..
يظل الإنسان جزءا من الطبيعة مهما فعل، بل أشرس كائن على الإطلاق. هذا ما نبه إليه الفيلسوف الألماني EDMUND HUSSERL، ثم إنه هو الدرس الذي نتلقفه كذلك من المراسلات الهامة بين مفكرين كوكبيين: ALBERT EINSTEIN و SIGMUND FREUD و هما يحللان أزمة “عصبة الأمم”، وهما يفكران سويا في مؤسسة بديلة ستكون هي “منظمة الأمم المتحدة”… وقد أورد ذلك سيغموند فرويد نفسه في مقالاته، وأبحاثه التي تعد من أنضج فترات حركة التحليل النفسي على مدى الأعوام الممتدة من 1915 إلى 1938 والتي تجشم المترجم الرصين الأستاذ سمير كرم عناء جمعها في كتيب تحت عنوان “أفكار لأزمنة الحرب و السلم “….

Related posts

Leave a Comment