-اسئلة الراهن-

(-■- ناصر السوسي )

لن يتجادل اثنان إطلاقا في القول إن زمننا اليوم هو زمن حضارة قشيبة تنبني، وتتشكل أمامناد ورغما عنا، على كل المستويات والصُّعُد.
فنحن اليوم شاهدون على واقع الحال. وواقع الحال هذا هو تحول العالم، وتغير الأشياء، وتبدل الأحوال على رأي ابن خلدون تبدلا شموليا إذ لم يبق شيء كما هو بسبب هشاشة المتاريس، وجراء الخلخلة العنيفة للقيود، والحدود. لقد تغير شكل الثقافة ونمط التربية/التنشئة ثم أسلوب العيش الذي درجنا ودأبنا عليه خلال حقبة تاريخية نحن الجيل الذي يطوي الآن زمنا، ويستقبل آخر بثقل استفهاماته ولظى سؤالاته التي تخلقت فينا بفعل الإنصات لنداء العالم والتقلبات المتسارعة للسياسات في العقود الأخيرة..
وهكذا، فمن” يالطا عام 1945″ إلى ريكيافيك الإيسلاندية عام 1986″ إلى “مالطا عام 1989 “، إلى أفول “عدم الإنحياز” ..ثم إلى “غينادي ياناييف “ومحاولة الانقلاب على” بيريسترويكا “و” كلاسنوست “” ميخائيل غورباتشيف “، ومخلفات النومونكلاتورا Nomenklature التي أرساها المنطق الأبرتشيكي APPARATCHIK ، و الأسلوب البيروقراطي الستاليني التوتاليتاري، والبدايات الأولى التي ستوصل” بوريس يلتسين”إلى “الكريملين”، وصولا إلى 2 غشت 1990 بمستتبعاته الجيو-سياسية ومترتباته الجيو-ستراتيجية على العالم العربي على وجه التخصيص..
تغير كل شيء إذن: الزمن، والإنسان، وخريطة العالم، ومنطقيات التفكير، وطرق الاستدلال، والمحاججة التي سار عليها العالم إلى حدود سقوط جدار برلين عام 1989..
لقد أفلت بالفعل مختلف الأفكار، والرؤى، والفلسفات والقيم التي تأسس عليها منهج تفكير القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ومطالع القرن العشرين: النزعة الإنسانية، والديموقراطيةد والعدالة الاجتماعية والإنصاف، والمساواة، والكرامة، والصراع الطبقي، والقضايا الحقوقية، والمرجعيات الفكرية والإسنادات الإيديولوجية كالتحررو المبادرة الحرة، ومفهوم التراكم الاقتصادي، والمركز والحواشي، والاستثمار..لتترك مكانها لأسلوب من التفكير جديد يمتح دعاماته من فورة الرأسمالية النفاثة الفارضة لثقافة السوق بعدتها وعتادها، الكاسحة للزمان والمكان، و الإنسان، وبقوتها الضاربة، والضارية المتمثلة في الرأسمال المالي المتعدد العابر للحدود والأوطان…
و يبدو إلى حد ما أن هذا الاكتساح الذي لم يشهد له التاريخ نظيرا لظاهرة الحداثة المفرطة SURMODERNITÉ على حد تعبير الأستاذ GEORGES BALANDIER في مؤلفه ” LE DÉDALE, POUR EN FINIR AVEC LE XXe SIÈCLE “يسائل في العمق الثقافات، والمنظومات التربوية، والإيديولوجيات، والهويات، والفنون، والآداب، والمؤسسات الاجتماعية، والسياسة، شاءت أم أبت ذلك، مثلما يسائل بشكل صميمي كل العلاقات الاجتماعية، والرموز بكافة أشكالها ومفهوم العمل/الشغل، ودلالة التاريخ، ومعنى الإنسان على وجه البسيطة؛ كما يسائل مفهوم الدولة-الأمة، ودولة الرفاه/العناية الذي تخلخل في عالم اليوم بصورة غير معهودة: (=البرازيل في عهد FERNANDO HENRIQUE CARDOSO ) او في نيوزيلاندة مع MIKE MOORE (=رئيس الحزب العمالي المعارض الذي ارتمى في أحضان النيو-ليبيرالية) على سبيل الذكر .. من هنا مشروعية هذه التساؤلات:
ما مصير المنظومة الفكرية البورجوازية، ومنطق النظر الذي تشبعت به أجيال عديدة والذي مانفك يحكم رؤانا ومرجعياتنا؟
هل فلسفة الأنوار بقيمها، ويوتوبياتها التي تم إبداعها في لحظة تاريخية معينة لأجل أهداف بعينها كمجابهة اللاهوت الكنسي، والحروب الدينية لاتزال قابلة للتفعيل في عصر تغير وتغاير فيه كل شيء؟
هل من الممكن إعادة قراءة هاته الفلسفة واستثارتها بمنطق جديد وبأسئلة جديدة غاية في المساهمة في فهم ما صار يعتمل في عصر امسى بلا هوية مثلما كتب المفكر الفرنسي RÉGIS DEBRAY في عمله الموسومL’ OBSCÉNITÉ DÉMOCRATIQUE ” “بصدد فلسفة CONDORCET ؟
ماهي الأساليب الممكنة والطرق المقترحة لإعادة تشكيل منظوراتنا الخاصة للعالم، و تأهيل شخصيات الأجيال الطالعة التي صارت؛ بمعنى ما، تحاكمنا عبر لغتها، و رموزها المتداولة، وطبيعة شعاراتها، وأشكال احتجاجاتها الصريحة منها والمضمرة..شخصيات غدا يسمها التعدد، والتركيب، والاهتزاز، والتوتر إن لم نقل اليأس القاتم، والعدمية اللافتة، والسرعة الفائقة في الاستجابات، والعنيفة في ردود الفعل، وفي طبيعة تقدير الأمور، والاضطراب الفائق على كافة المستويات السيكولوجية، والفكرية، والأحلام، والطموحات والأهداف والآفاق ؟ ..

Related posts

Leave a Comment