– -العرب وسؤال التنمية – –

ناصر السوسي

التاريخ، كما كتب المؤرخ الهولندي” JOHAN HUIZINGA يوهان هويزنغا (=1872- 1945)” شكل من أشكال الاستمتاع بالعالم والاستغراق في تأمله..
والتاريخ، فضلا عن ذلك، مصدر بحث ونظر هدفه تقوية الفكر، واستيعاب الواقع في أدق تفاصيله، وبمعنى كهذا يغدو الذاهل عن التاريخ والجاهل به كراكب عمياء وخابط عشواء..
السياسي أحوج من غيره إلى فلسفة التاريخ، ودرس التاريخ بما هو اعتبار للأحداث، والوقائع، كما لاستخلاص الدروس والعبر. وفي اعمال عبد الرحمن بن خلدون، ونبكولو ماكيافيلي، وفيكو، و مونتيسكيو، وهيغل، وكارل ماركس…بعض مما اذهب إليه وأقرره.
في العصر الحديث كان الألمان تلامذة للإنجليز (=الثورة الصناعية) من جهة، وللفرنسيين(=الثورة السياسية البورجوازية لعام 1789)من جهة ثانية كما هو مثبت في “المادية التاريخية”، وفي مصنف”العرب والفكر التاريخي” للأستاذ عبد الله العروي أيضا..
لم يصم الألمان آذانهم إطلاقا عما كان يجري في الإقليمي على المستويات الثقافية والسياسية والعلمية. كان الألمان يصغون، وبوعي حاد، لكل ما يروج حولهم، ويلتقطون ما استجد من أفكار وتطورات وكشوف. كانوا يفحصون الجديد، ويمحصونه فيقلبوه تقليبا.
لم يوصد الألمان ابواب مجتمعهم بالمزلاج، ولم يضربوا الحصار على عقلهم الذي ارادوه منفتحا، وراموه خلاقا على مقتضيات عالم كان يتحول تحولا جذريا..
كان الألمان يتنسمون عبق الأفكار الوافدة من كل حدب وصوب..
لم يقيموا المتاريس، والخنادق حائلا بينهم وبين الآخر الداهم.
أجاد الألمان الإنصات لخصومهم إلى أبعد الحدود. تتلمذوا لهم، وتعلموا منهم فكان ذلك سرا من أسرار تحقيق وحدتهم التي أرساها المنطق الحديدي لأوتو فون بيسمارك BISMARCK(=1815- 1898)، واداة من أدوات نهضتهم الفكرية التي ساءلت والتراث في شموليته، والماضي بعيون فاحصة، وبالنصل الناقد الخَلاَّق الذي لم يَرُمِ التشفي من وضعهم المتردي والمتأخر في تلك المرحلة التاريخية المتقلبة…
كانط، فيخته، شيلينغ، هيجل، غوته، شوبنهاور، توماس مان، نيتشه، هوسرل، وفرويد… وأضرابهم كانوا حقا افذاذا. كانوا عظماء لأنهم طرحوا الأسئلة الحقيقية لمشروع المجاوزة والالتحاق بقطار التقدم..
كانوا عباقرة عصرهم على اعتبار انهم شيدوا بأفكارهم جسور التواصل المبدع، والحوار البناء ندا للند مع الآخر/ الخصم/العدو بصريح العبارة بدون أدنى مركب نقص، أو شعور بالدونية لأن قصودهم تحددت في الرغبة في فهم تأخر ألمانيا التاريخي عن الركب الأوروبي..
ويحتمل أن يكون هذا هو العبرة الأساس التي لم يستوعبها العرب، ولم يتبينوها إذ تشرذموا، وتفرقوا شذر مذر منذ مايزيد عن قرن من الزمان بين الانتصار لهذا المفكر أو ذاك دون تمثل واع لتراثهم، ودون استيعاب نقدي للغرب في كليته وشموليته، أقصد الغرب كمنظومة فكرية، وعلمية، وتكنولوجية، واقتصادية، وإيديولوجية ليست تقبل التجزيء، ولا التوفيق، أو التلفيق على السواء ..
مثل العربي، فيما أحسب، كمثل مسافر على رصيف محطة القطار.
كدَّس المسافر امتعته(=تراثه)جنبه ولما توقف القطار ارتبك الرجل، واحتار في امر أمتعته فطفق يتساءل: هل يركب هو عربة القطار ثم يحمل امتعته أم يضع أمتعته داخل العربة ثم يمتطي القطار بعد ذلك. وفيما هو يقدم رجلا و يؤخر أخرى انطلق القطار(=التطور) صوب وجهته المقررة (=صيرورة التاريخ) ليظل المسافر (=الإنسان العربي)، في حيص بيص، يستظهر بالاتباع ماضيه، ويكرر أجوبة سلفه بشكل رتابي، ويعيد لوكها، وعجنها بلا إبداع، ودون حسم جدي في أية قضية من القضايا التي تنتصب أمامه..

Related posts

Leave a Comment