– محترف الغربة – (محكيات)

ناصر السوسي
يرن الهاتف المحمول على حين غرة لينتشلني من اصواتي الجَوَّانِية، من تموُّجات صمتي، وتشابكات استيهاماتي ومن فَيْضِ تخييلاتي الآسرة.
لينتزعني من أعماق خلوتي، ومن تولهي بأشعار”ترجمان الأشواق” للشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي ..
وكذا من عيون النسيب العربي من قبيل:
أحَدِّثُ نفسي والأحاديث جَمَّةٌ وأكبر همي والأحاديث زينبُ
إذا طلعت شمس النهار ذكرتها واحدث ذكراها إذا الشمسُ تغربُ
إذا خَلَجَتْ عيني أقول لَعَلَّها لرؤيتها تهتاجُ عيني وتضربُ
وبين هذا وذاك أتقفى إلهاما. أنتظره عساه يطل علي من اللاحيز.
أو يأتيني من اللاأين..
احسني تائها مثل نورس الخضم، ينزلق ومنحنى ريح صاخبة، هوجاء على تخوم صخور جزيرة “موغادور” الحالمة وسط عتو البحر الأجاج..
بعصبية جلية كان الصوت المتعثر يسائلني..
يستفهمني عنوة..
فأسترسل أصغي إلى اهتزاز صاخب، يثغثغ بعدوانية فجة أمست من مشاهد اليوماني ومؤثثاته..
عدوانية إنسان مقهور،
كليم،
مهدور
في المآوي،
والأزقة
والدور..
في فضاء نخاله عموميا
والشارع
المأزوم
في الدروب،
والحارات،
وفي الإعلام المكتوب.
ولا تسل عن المرئي.
في المقاهي
و الشطآن
و الحانات..
داخل حافلات النقل العمومي حيث يُتَنادى على”جواد”
و على متن مركبات النقل الخصوصي.
عنف اليومي يتنامى ليضحى في غفلة منا كَالسُوسٍ أتى على أسناننا المنخورة منذ طفولتنا الأولى.
أينما يممتَ وجهك ألفيتَ عنفا فاضحا.
مشهودا،
ملحوظا
ك “البَيُوض”أتى
في وهدات الوديان
على نخيل الواحات..
عنف يفرز ثقافة العنف.
تماما كخلية سرطانية هجَّرَتْ جَحِيم بلائها إلى جهات الجسم الأربع
لينهار عن بكرة أبيه وَجَدِّه أيضا.
جسد برمته يتداعى وقد غمره داء فقدان التمييز المزمن،
جراء حَوَلٍ سياسي مكتسب.
و جراء الأنُوميا ANOMIE المتفشية، وفيروس اللاثقافة الكاسح كالإعصار
للآباء،
و الأمهات،
و الأولاد
و الأحفاد.
يستفهمني الصوت ثانية وثالثة باستفزاز لاقبل لي به:
“من تكون انت أيها الغريب
العنيد؟
من تكون انت أيها الطريد
الشريد؟”
لأنبري له بهدوء MICHEL DE MONTAIGNE ولباقته، وعيناي تمسحان ماتبقى امامي من صفحات “الناسخ وظله LE SCRIBE ET SON OMBRE “:
أنا محترف الغربة ETRANGER PROFESSIONNEL ” يا هذا..
وإن شئتَ فصل من “تجاعيد أسد”:
“أحمل منفاي على ظهري
مثل حقيبة مثقوبة،
يتساقط منها الماضي،
تتسرب منها وجوه أحبتي،
ومع ذلك اواصل السير،
لأن الطريق هو قدري،
ولأن العودة حلم لايموت.”
أو أخيلة تستحضر تفاصيل ودقائق من ” LE CHEMIN DES ORDALIES ”
حين “تحرقني الأسئلة “المُلْظِيَة…
بين دَيَامِيسِ”قلعة المنفى”..
سلاما ل”الذاكرة الموشومة”
سلاما ل “معذبي الأرض” من “قاع الخابية FOND DE LA JARRE” في زمن فيه تداخلت فيه كل الأزمان!!
وفي فصل اختلطت فيه فصول كل
الأعوام..

Related posts

Leave a Comment