– انْشِطَارٌ سُورْيَالي-

-●- ناصر السوسي

يرى جاك لاكان JACQUES LACAN، وهو احد اقطاب التحليل النفسي البارزين الذين رفعوا شعار”العودة إلى فرويد”وتجديد نظريته من خلال إدخال وتوظيف ماهو فيزيولوجي، وماهو نفسي مرتكزا في مقاربته على قراءة دقيقة تستلهم إسهامات الأنثروبولوجيا البنيوية مع CLAUDE LÉVI- STRAUSS واعمال FERDINAND DE SAUSSURE وROMAN JACKOBSON؛ يرى أن للممارسة التحليلية النفسية بعدا تحرريا بحسبانها تسعف الفرد في إدراك الأثقال التي تحول دون تفتح الشخصية الإنسانية على غيرها، والوعي الموضوعي بالأغلال المُعَثِّرَة لانفتاحها على محيطها الاجتماعي ومكونات البنية الثقافية السائدة.
وليس من شك أن هاته القيود، والمعرقلات تتمثل في البنية، والجِبِلَّة والنفسانيات العميقة للكائن الإنساني من جانب، وفي نموذج التنشئة الاجتماعية الذي نحت شخصيته وشكلها على هاته الطريقة أو تلك من جانب آخر..
للإقتراب من طبقات النفس PSYCHÉ واغوارها قدر المستطاع ارتأى سيغموند فرويد SIGMUND FREUD، ومن بعده أتباعه كتلميذه إيريك فروم ERICH FROMM أنه لابد من ممارسة تحليل-نفساني-ذاتي AUTO-PSYCHANALYSE بانتظام وذلك عبر الإنصات الدقيق لأحلامنا والتقاط مختلف التشكيلات الرمزية غاية في تاويل دلالاتها التأويل الممكن، وغاية في إضفاء معنى مستساغ على مختلف تجلياتها اعتبارا لكون الحلم نشاطا من أنشطة النفس اثناء النوم؛ واعتبارا كذلك أيضا لكونه (=النوم) متضمنا لرغباتنا الدفينة(=الطفلية INFANTILE على وجه الخصوص)؛ ولشواغل الأيام السالفة، كما للغرائز اللامشبعة، المحبطة أو المقموعة التي تهتبل الفرص للإبانة عن نفسها بطرق مقنعة وملتوية. بهذا المعنى، ومادونه، كانت المنامات توقا لتحقيق المكبوت فينا والمطمور في أعماق لاوعينا.
مفيد، وشيق جدا تتبع الأحلام، والإنصات إلى طبيعة لغتها التي لا تمنح نفسها للوهلة الأولى مادام انها تتوارى خلف رموز، وعلامات، وصور وتمويهات يقتضي الأمر الوقوف عندها، وتقليب طبقاتها الدلالية العميقة.. هكذا كان دَيْدَن سيغموند فرويد وهو يستحضر طفولته المبكرة في مورافيا، إحدى أقاليم أمبراطورية النمسا-هنغاريا ثم بعد ذلك في مدينة فيينا VIENNE في”حياتي والتحليل النفسي MA VIE ET LA PSYCHANALYSE “؛او في منجزه المدهش”تفسير الأحلام”-الذي يعد بحق الفعل المؤسس للتحليل النفسي- المنشور بترجمة عربية رصينة بدار المعارف، مصر “؛ وهذا ما رواه ايضا الفيلسوف والمحلل النفسي إيريك فروم ERICH FROMM وهو يطبق منهج فرويد على فرويد ذاته في منجزه “مُهِمة فرويد” الذي ليس في تقديري سوى قراءة مقتضبة للعمل البيوغرافي الهام الذي أنجزه ERNEST JONES تلميذ فرويد الملتزم وصديقه الوفي..
منذ أيام زارني شاب في عقده الثالث ليعرض علي حلما يتراءى له بين الفينة والفينة مما حمله على البوح به لي هكذا:
“حينما أتمدد على سريري أنام بكل سلاسة ويسر. بيد أن مشكلتي تتمثل في أنني، وأنا مستغرق في نومي العميق، أتحسسني بوجه منشطر يريعني، وجه بَشِعٍ يفزعني. بجسم نصفه إنسان، وجزؤه الآخر حيوان. بأذن عجل، واذن فيل معا. وبخياشيم آكل النمل..نصف جسمي آدمي، ونصفه الآخر يكسوه وَبَرً نظير وبر القردة. لي عقول ثلاثة تتصارع داخل رأسي إلى درجة الفُصام: احدها ماضوي قديم عتيق، و الآخر عصري حداثي، وثالثهما تقليداني. وتبعا لهذا يتعذر علي تحقيق اي توازن أسعى إليه بين هاته العقول الثلاثة المتطاحنة داخلي.. وواصل حديثه مفسرا حلمه: تحسست جسمي في عز سَرْنَمَتِي فأقلقني ما اكتشفت. فقد تجلى لي أنني أمسيتُ امتلك رجل كَنْغَر نيو -زيلاندي، وَرِجْل قَانِعٍ من فصيلة “هاسكي”، ورجل طفل بِخُفِّ بعير . لا أستطيع الجلوس أمام الطاولة وأضع رجلا فوق أخرى كرواد المقاهي على مدار اليوم. واعجز عن المشي بشكل سليم لأنني لم أتعود بعدُ التنسيق بين أرجلي الجديدة التي لست أعرف كيف التصقت بجسمي الذي طفق غريبا عني. كما لم يعد بمكنتي التكلم بلغة بني جلدتي، فلساني صار مفلوقا كصِلِّ البراري؛ وألفيتني اتواصل بغرائز بهيمية تفضحني بين اهلي ومحارمي..أضحك فأسمع صهيلا مُدَوِّيا.. أصهل لينساب صوتي شذا وغناء.. استلقي وقت القيلولة فأسمع صوت اجترار الطعام الذي سبق لي أن تناولته. نفث الشاب دخان سيجارته بقوة. تفرسني بعينين ينبعث منهما ارتباك واندهاش فأضاف: منذ أن واظبتُ على قراءة مقالات من هنا وهنالك حول ظاهرة العولمة، وسقوط جدار برلين، والانهيار المدوي للمنظومة الشرقية، ومنذ أن اهتممت بالملاسنات الشعبوية، و”تمزق طبقة الأوزون، ووباء كورنا الأولى، وكورونا الثانية، وتطورات الحرب بين روسيا واوكرانيا، والوضع في آسيا، والمشرق العربي صرت، سترني الله وإياك، كلما وضعت رأسي على مخدتي في غرفة نومي يا أستاذ إلا وانشطرت أناي بالتمام والكمال ليتعذر علي بالمُحَصِّلَة معرفة من أنا، ومن أكون على وجه التحديد !!!!!!…

Related posts

Leave a Comment