العِلاَجُ الوَهْمِي بِمَنْجَنِيق”زِيطَة”الهَاشْمِي- (محكيات) –

● – ناصر السوسي

بنرجسية مفرطة كما بِفَخَارٍ زَائِدٍ عن اللُّزوم سَوَّقَ”زِيطَة الهَاشْمِي”لنفسه أمامنا، أنا وزميلي، بهاته الصفات، وبكل هاته المهام المتعددة التي زَعَمَ أنه يمارسها: “كوتش”، ومحلل نفسي، وخبير في ضبط وتعديل الخرائط العقلية، والدماغية، والذهنية، و”أخصائي!!!”لايُجَارَى في الأمراض العضوية، والعضلية، والنفسية، والتنفسية، والعصبية، والعُصَابية، والعصية، والمستعصية، وباحث في مقارنة الأديان، واستشاري في قضايا الخَزَر، والشيشان، والمغول والتتر، وشؤون السند وأمور الهند والباكستان.
واستجابة لإصراره الذي بلغ به حد التوسل، قبلنا دعوته لنا كيما نحضر ما توهمه عرضا”إشعاعيا وتكوينيا”في حقل النفسانيات. كان قبولنا فقط من باب الفضول، وحب الاستطلاع وعملاً، على نحو ما، بالقول المأثور : «معرفة الأمور خير من جهلها»، وأملاً في التعرف عن قرب، واستكشاف مَابَاتَ يعرف لدى الخاص والعام بظاهرة ال”كوتشينغ”، و”التنمية الذاتية”، و”التحكم الذاتي”، وتوجيه الأفكار، وتطوير الشخصية، وتغيير كارتوغرافيات المخ، والمشاعر، والأحاسيس، ومنطق النظر، وردود الأفعال، وأساليب الإدراك والفهم، وطرق الإدماج والاندماج، وسبل الإقبال على الحياة، وكيفيات تحصيل السعادة في خضم زمن انوسم بتقلبات جذرية ترتبت على العولمة الشاملة لعالم اليوم.
في السرداب، مصيدته، على وجه التحديد، التي يطلق عليها مزهوا”مركز التكوين، والتأهيل المعرفي، وتقويم الأفكار والسلوكيات إلخ” ألقى صاحبنا “الكوتش”، و”الاستشاري في كل شيء”، على الجمع الذي حَشَدَه كما اتفق وكان يتألف من الناذل، ومؤذن مسجد، وحراس عمارات، وحَمَّالين، وإسكافيين، ومقامرين، وحِيطِيِين HITTISTES، وربات بيوت، وصباغين، وبنائين، وبائعي السجاير بالتقسيط..”. أقول ألقى”الكوتش” عرضه، وربما طوله، معتدا بنفسه، وبطريقة حاطب الليل، وبأسلوب”غير جِيبْ يَافُمْ وقُول”، إذ طفق، والزبد يتطاير من فمه رذاذا، يقذفنا بركام هائل من المصطلحات، ورنين الكلام. جملة من هنا، وعبارة من هناك. مصطلحات من الفلسفة، وأخرى من الإبستيمولوجيا المعاصرة. آية من سورة يوسف. ونتف من تفسير الأحلام لابن سيرين. مفاهيم فرويدية مجتزأة، مبتورة من سياقها كالوسواس القهري، والأرهبة، والاضطراب الهيستيري. ومصطلحات جاهزة التقطها، وهو القابِسٍ العَجْلاَن، من السيكولوجيا الإكلينيكية والمرضية وأخرى غيرها مما سماه ضاغطا على مخارج الحروف، لإثارة انتباه المستمعين، ب الCOGNITIF. أحاديث نبوية، وامثال شعبية لا وصل بينها ولا اتساق. وفي لُجَّةِ اندفاعه خلف هُرَائِه طفقنا، أنا وزميلي، نبحث عن هذا الكوتش/الاستشاري وسط قَصْفِ منجنيقه اللغوي، وطَيَّ سيلان كلامه الذي صَوَّبَه نحونا كمقذوفات جبل”الفيزوف” في عنفوان ثورانه؛ فلم نعثر له على اي أثر . اعتصرنا سحايا دماغينا بلا فائدة تذكر. كان صاحبنا الكوتش”النفساوي” والخبير، “الأخصائي!!!” في”كور وعطي لعور” يمطرنا بكل ماطفا على سطح شعوره: هيغل، وابن رشد، وديكارت، وفرويد، وأرسطو، والكوسمولوجيا، والكوسموبوليت، والأستُقْصات، والمنطق الإيساغوجي الهيليني والهيلينستي، وقانون الرومان، واسطورة الخلق، واقاويل الفقي، وفتاوى القرضاوي، ونصائح الشعراوي، وأفكار مصطفى محمود، وإسهامات”علم النفس الإسلامي!!!!”. وطرق التخلص من مضادات الاكتئاب، وأسرار الزواج الناجح، وحكم الشرع في الاختلاط الجنسي، ومنظوراته لما سماه التحليل السيستيميكي!!! SYSTÉMIQUE الأسري!!!!!..
انهى الكوتش مداخلته التي دامت زهاء 90 دقيقة بدون ان ينهيها، فتنفسنا الصعداء. خرجت وزميلي من شَرَكِ الخبيرالاستشاري!!!، بأزيز في أذاننا ونحن نقلب معا مضمون عبارتين فاه بهما، ولطالما كررهما على مسامعنا متى صادفناه:
LA RUPTURE EPISTÉMIQUE DE NOTRE DISCIPLINE MULTI-INTER-DISCIPLINAIRE
و- “إن النظريات والمقولات الجديدة التي طرحتها عليكم أيها الحضور الكريم تفنيدية بشكل مركزي، وهي مُفَنِّدَةِ بطبيعة الحال للتفنيد مادام أنها تسعى لتفنيد ما فَنَُدَتْ لتعيد اجترار مافُنِّد في تسلسل تكراري اطرادي، ومسترسل وهكذا دواليك.”.
-سألني صديقي بعد أن أخذ نفسا عميقا من سيجارته، ونفث دخانا كثيفا من خياشيمه قائلا:
– “في الحقيقة، انا لم أفهم مقصود هذا “الكوتش”من العبارتين السالفتين.”:
كنت احدس استفهام زميلي الوجيه لذلك بادرته بهذا الرد:
— “لا عليك. لا عليك. ستفهم. ستفهم بالتدريج وبشكل اكثر عمقا، لأن ماتفوه به”المسيح المقلوب الهَاشْمِي”يندرج في إطار البرمجة العصبية، والبرمجة النفسية-الذهنية يا رفيقي!!!. وإلى ذلك أضفتُ: -“على أية حال، أرَجِّحُ أنك تبرمجتَ عصبيا، ولغويا، وفكريا، وعقليا، وخريطتك الذهنية، والنفسية واللغوية تمت إعادة صياغتها على نحو كامل مع هذا الاستشاري والخبير الMULTI-INTER-DISCIPLINAIRE. الأمر الذي سيُصَيِّرُ خلاياك العصبية أشبه ماتكون بخارطة «الشرق الأوسط الجديد»!!!.
طفق صديقي يتفرس في مزويا مابين حاجبيه. كان ينصت، فاغرا فاه، ل”تفنيدي لتفنيد المفند” ثم أطرق ليسقط على عين قفاه من شدة نوبة ضحك هيستيري انتابته على حين غرة.
ورحم الله الأديب العربي نجيب محفوظ مبدع “زِيطَة” صانع العَاهَات في”زقاق المدق”..

Related posts

Leave a Comment