(-●- ناصر السوسي)
على عجل هاتفني الهاشمي بن مُسَيّلِمَة: “في المقهى القريب نلتقي”..
كنت أعلم جيدا أن ابن مسيلمة الكذاب هذا يقضي سحابة يومه بين مقاهي الحاضرة و”دكانه”الذي أعده للشعوذة، وتصيد ضحاياه بالطلاسم وبيع الأوهام من خلال ما يسميه هو نفسه تغيير خرائطهم الذهنية والنفسية، والعقلية، والعاطفية، والمعرفية، ونظراتهم السوداوية كيما يقبلوا على الحياة بهمَّةٍ وفعالية، وبحيوية ونشاط.
طوَّر مسيلمة الكذاب، مع الأيام شخصية شيطانية، بحيث بنى أسلوبه في الاحتيال والخداع على مقولة”برق ماتقشع”. و”برق ماتقشع”هاته تقنية من المكر بمكان، وظف فيها سلسلة من الحذلقات اللغوية، والممارسات الإبليسية، و القوالب الأسلوبيةالرنانة، والفذلكات المقولاتية نظير: “الإيروس، والليبيدو، والطاقة الجنسية، والقشرة الدماغية، واللحا، والفص الأيمن أوالأيسر من الدماغ، والآلة النفسية، والتنافر العاطفي، والتنويم المغناطيسي، وعملية تكسير الأنا… للنفاذ كما يقول إلى ماقبل الشعور واللاشعور، وإلى الجانب الأنثوي، في الرجل، والجانب الذكوري في المرأة والاستذكار، والتذكر، والانتباه، والتوتر والتهستر وDÉFAILLANCE !!!!..والنورولوجيا المعرفية!!!! وعبارات تدليسية يشيع أنها علاج سحري لضحاياه ك”سد عينيك. تأمل زرقة البحر. تخيل أنك تسير بين فجاج الجبل. حل عينيك !!! هكذا تتحسن نفسيتك!!!!”
في المقهى كان الهاشمي ابن مُسَيْلِمَة الأَفَّاك ينتظرني على أحر من الجمر. وجدته يُسَوِّقُ لكذبه بتأبط كتيبات تحمل عناوين”أهوال القبور”و” الثعبان الأقرع”، “الزوج السعيد”و”سيكولوجية الإنسان السعيد”، و”عجائب المخلوقات”..خاطبته: “ما الخطب آ الهاشمي؟”
فأمطرني بقصة من قصص”برق ماتقشع”: “بالكاد خرجت من المركز- دكانه يعني- تركت شابتين تحت تأثير التنويم المغناطيسي .كنت لساعات متتالية منهمكا بإعادة صياغة خريطتهما الذهنية!!!!بعد أن فشل كل أطباء الأمراض النفسية، والباطنية والظاهرية!!!!! في تشخيص طبيعة معاناتهما، وقد تطلب مني ذلك جهدا كبيرا هدني تماما منذ صباح اليوم لأن معاناتهما النفسية عميقة وبالغة التعقيد، وها انت ترى حالي.”
لبثت انصت لسرديته، واتأمل مجرى كلامه رغم حاجتي لنومة القيلولة إلى أن سألته:
” أتمنى للمريضتين العَفْوَ والعَافِية من الله تعالى. ولكن هل لك أن تخبرني كيف أخضعتهما للتنويم المغناطيسي؟”
على الأثر أجابني مسيلمة الكذاب: “الأمر هين بالنسبة ل PSYCHOTHÉRAPEUTE و PSYCHOPATHOLOGUE وCLINICIEN متمرس مثلي. أقابل مريضي وجها لوجه. أمعن النظر في عينيه بنظرة صقر كاسر، وأمسك بسبابتيه فأوحي له بذكرياته الأليمة التي تعود إلى ترسبات إيروس وتاناتوس، وعقدتي أوديب والخصاء، والتي استيقتها مما حكى لي مريضي من ذكريات ثم أقوم اعتمادا على المراسلات الشخصية بين سيغموند فرويد FLIESS بتكسير لا شعوره بصيحة قوية ليغط المريض، رغما عنه، في سبات عميق أتحكم فيه وهذا هو الإبنوز.
وبينما هو يمطرني بسيل أوهامه حول من سماهم مرضاه، وبتقنيات علاجاته لمن تركهما في”دكانه” استحضرت قصة المعلم الثاني أبي نصر الفارابي حينما ولج مجلس سيف الدولة الحمداني، وعزف لحنا شجيا على آلة القانون فنام كل من كان في المجلس فتركهم نياما وخرج.
ولله في خلقه شؤون.
