– وا أسفي على حاضرتي الملونة!! – –

-●-الدكتور ناصر السوسي.

مؤسف ولست أجد غير”مؤسف” لفظةً وزفرَةً تسعفني على توصيف ماتناهى إلي عن تلك التي وسمها العلامة أبو زيد عبدالرحمن بن خلدون “حاضرة المحيط”..
مؤسف جدا حال حاضرتي الملونة.
كأغياري في منتهى الحزن أنا والأسى..
غم ينهشني.
يُغْثيني.
فأي خبلٍ ذا الذي ابتلاكِ ونحن صُمُوت؟
أنحنُ ساهون؟
أم مغيبون؟
أي جنونٍ هذا الذي قوَّضَ مسلكياتنا، وأربك قيمنا وخلخل دواخلنا ومنطق تفكيرنا؟
هل اتَّسَعَتِ الخُرُوقُ على الرَّاقِع؟
أم نحن المُهْمِلون؟
مُدًى أضحت تحمل نعوتا تلوكها ألسن الجانحين ويَرْطِنُهَا اليافعون؟
والعيارون الجدد كأن ذلك فتح حضاري عظيم
أو إنجازُ حكيم.
و الشُّطَّار المنكسرون إلى حد أن هذا طَفِق يلذغُ ذاك بلسان خبيث،
لسان مَفْلوقٍ كلسان حية تسعى.
أما البعض فلبعضهم بنادق، او خناجر قد صاروا.
مدينتي الملونة!!
أي عنف هذا الذي راع مرتعَ لعبنا، وشغبنا زمن براءة الصبا، وايام انطلاقة اليفاعة وفورة الشباب!!
حوادث عرضية؟!..
يُحتمل ذلك.
غيوم صيف دكناء عابرة كطيف حلم قيلولة في لهيب ووقدِ هاجرة.
غيومٌ آيلة إلى التبدد؟
يُرجح ذلك أيضا.
ليس لي بدًّ من الكلمات ولامناص وقد توارت عني الأشياء وأنا في أقصى النأي والبعاد،
وأقسى الأسى..
تقصفني سؤالاتي تباعا، وتعتصرني، رغما عني، مثل لفْحِ جمر التنور.
كلظى كَلِيم.
كطلق ناري.
أو رشقٍ متواصلٍ من بندقية رشاش.
كجرح غائر من طعنة غدر ب”مَلاَّسَة” أو “كَاطُّورْزَة”او شفرة حلاقة.
رغم حَرِّ النَّوى أظل أمَنِّي نفسي بلعبة شد وجذب لأعتصر من عمق طبقات سحاياي شرارات من زمن يتلجلج من عوادي الدهر؛ فأستحضر صورة موشومة من صفحة خضم مديد،
وأشكال قوارب لطالما لَمَحْتُهَا تصارع تيارا عاتيا وهي تنعطف جهة الفنار بمحاداة أدغال برج الناظور الذي منه أطل على لمع أضواء المرفإ يُشْبِه مصابيح السماء حين يعسعس الليل من حولي ويدب خلسة بين جوانحي الجريحة.
بعيدا عن صخب الغوغاء، وتخاريف النابتة يَلْهَجُون بالتدليس الإيديولوجي، والشعارات المنخورة، والعبارات الانتهازية المسكوكة الفارغة مبنًى ومعنًى.
متى تعود الأمور إلى حيث كانت.
إلى نصابها، على وجه التحديد، كيما نعيد القول مع أديبنا الروائي الآسفي الدكتور سعيد لقبي: “آسفي، المغرب المصغر SAFI LITTLE MOROCCO؟
متى تعود الأمور إلى سابق عهدها لأجهر مع المؤرخ الآسفي الأستاذ إبراهيم كريدية تلك هي الجنة التي كنت أحيا في ربوعها في الزمن الغابر!!
فعلى مرمى حجر من POSÉIDON و”عين لالة ميرة” تحاصرني غصة حيرتي ولظى استفاهماتي حد الإِيلاَم:
أتكون قوافل الأطراف، وأطراف الأطراف محملة بمعاول هدم الإيتوس ETHOS المتعارف عليه، و من ثم في انتشار القيم الهجينة LES VALEURS HYBRIDES، وثقافة الرعي الحضري PASTORALISME URBAIN انتشار النار في الهشيم، و بلوى البَدْوَنَة وبأسائها التي عصفت يوما عاتية، وهبت كريح صرصر فأتت على جامعة الحاضرة: “دارالشباب علال بن عبد الله”؛ والمنتجعات المحيطية لتجعلها قاعا صفصفا،
قفرا قفارا،
ثم نسيا منسيا؟
هكذا مستوحدا في وحدتي.
ولوحدي في زمن موحش حد القرف ما فتئت أناجي نفسي.
أناجيها عن بؤس حظيرة، كانت وإلى عهد قريب جدا حاضرة.
منطلق مغامرة “رع RÂA II ” للمستكشف النورويجي”ثور هيردال” نحو الكارايبي، وقَبْله قِبْلَةً “حانون” الأميرال القرطجني وهو يمخر بفلكه عباب البحر نحو”كاسين”، فآسفي، مرورا بمغارة هرقل، ومضيق طنجيس..
وأقلب أثقال حافظة منفلتة، متوثبة، مثخنة بالندوب ما انفكت تتعشقُ عبق اقحوان الربيع وسط”غابة الكارتينغ “، وتتنسمُ ندى ورذاذا تقذفه رياح تيار الكناري البارد من بطن بحر الظلمات.
أتحسسه منعشا كهسيس غادة.
كَلَمَى حُورِيَةٍ،
أشتم ملوحته وأنا على الشط الصخري أُشَيِّعُ علی وَقْعِ أشجاني الداهمة وَهْج قرص شمس حاضرتي يَجْنَحُ صوب المغيب رويدا رويدا لتتوارى جمرته المتوهجة في صفحة الأقيانوس.
في الآفاق.
الآفاق القصية لألهج من فرط حزني:
واأسفي على آسفي مدينتي الملونة!!

(●- الدكتور ناصر السوسي)

Related posts

Leave a Comment