–
ناصر السوسي
البارحة صباحا، كنت أتناول طعام الإفطار وصديق عزيز من رعيلي. انشغل هو، ولوحده، بتحضير صينية الشاي شهية، وأصر على أن نتناول الطعام بمكتبة بيته، المطلة على صفحة الأطلسي اللازوردية. على نغمات سمفونية LES PRÉLUDES “الساحرة التي أبدعتها عبقرية الموسيقار المجري FRANZ LISZT. راقتني الجلسة، وامتعتني كثيرا من وجهين: لأنني كنت ضيف صديق حميم، ثم لأنني في خضم مكتبة خاصة، غنية لم أعد أرى نظيرا لها إلا لدى عشاق الكتب والمتولهين بالقراءة، ولدى الباحثين الحقيقيين عن العلم والمعرفة في مظانها وبالأخص في زمن أضحت صحون الطاووس الفاخرة، والمتعددة الألوان والأشكال تؤثت باحات الشقق وزواياها…
رفوف أنيقة تزخر بعيون الأعمال الأدبية العالمية: بهاء طاهر ..عبد الرحمن منيف..كاتب ياسين. غائب طعمة فرمان.. غالب هَلَسَا، جبرا ابراهيم جبرا..غسان كنفاني ..نجيب محفوظ..يوسف القعيد.. غوغول، مكسيم غوركي الذي يتفرسني، بشاربه الكث، من غلاف رائعته “الأم “. ليون تولستوي..فيدور دوستويفسكي.. أنطون تشيخوف..اندري جيد .. جورج سيمنون.. غونتر غراس، وماريو فارغاس يوسا… هنري موللر .. الحجم الضخم ل” الجبل السحري” لطوماس مان..
بين لقيمة وأخرى، و بين رشفة و رشفة من كاس الشاي المعد بذوق رفيع تشعب حديثنا الثقافي لينصب على الفن المسرحي المغربي، ومساءات الآحاد ذات زمن بالتلفزة المغربية CE SOIR AU THÉÂTRE .تذكرنا سوية” مومو بوخرصة” و تجربة المسرح العمالي…و”الحراز “، و”مقامات بديع الزمان الهمذاني” …لحكيم قنقون… حلاق اشبيلية.. واقتباسات الأستاذ احمد الطيب لعلج.. مسرحية ” الرينك ” لمحمد قاوتي.. وألف حكاية وحكاية التي ألفها وليد سيف، وأخرجها الأستاذ الطيب الصديقي، و”بوغابة “وحكايات بلاحدود ” للفنان عبد الواحد عوزري،و “سونة” لمحمد البلهيسي…كان آدبي، وانا اناقشه في الإنتاجات المسرحية يحدق في وجهي مليا ثم يأخذ نفسا عميقا من غليونه المحشو بتبغ أمتستردام.. سألني عن مآل المسرح الاحتفالي كما تصوره عبد الكريم برشيد وعمن مايزال يتعشق أعمال محمد مسكين… ومحمد شفيق السحيمي… وحوري الحسين..فاطمة شبشوب.. الرائع حاضرا و غائبا المهدي الودغيري… عن كتابنا و نقادنا الكبار : الكاتب والفنان المسرحي الأستاذ محمد بهجاجي والدكتور حسن المنيعي..عن مسرح الهواة …مسرح الناس..مسرح اليوم… ورواد الخشبة فأجبت: “بالأمس فقط جافاني النوم و انا ممدد على سريري فعركت سهادتي التي فاجأتني في عز ليلي بالاستماع والاستمتاع بعود الموسيقار محمد القصبجي وهو يعزف مونولوغ ” الذكريات ” على مقام نهاوند درجة دو DO و الأستاذ رياض السنباطي وهو يعزف بشجن صوفي نادر وعميق على”مقام كرد درجة لا LA ” “أشواق” ه ” كما هي أشواق جيل بكامله نشأ و تربى على تذوق الجمال، والشغف بالآداب، والتشكيل، والموسيقى، والمعرفة البانية للذات، والمفتحة للشخصية، والمفجرة للوعي النقدي ..وبين تضاعيف ذلك كنت أستظهر لوحدي فقرات من”مأدبة عشاء “LE DÎNER DE GALA” ل JEAN VILAR العرب الفنان الراحل الأستاذ الطيب الصديقي ثم عقبت على صديقي بعبارة من “العواصف” لجبران خليل جبران ظلت عالقة بحافظتي المهترئة اليوم من عوادي الدهر واثقال العمر: “كل هذا كان بالأمس والأمس حلم لايعود “..
من مكتبة صديقي الخاصة، ومن قلب شقته الهادئة أحيي كل فنان، وكل مثقف عضوي وكل عاشق حقيقي للفن بشتى أضرابه….
